samedi 5 septembre 2009

من الخطأ يتعلم الإنسان"/ حلل هذه القولة مبرزا ما يمكن تعلمه من الخطأ

إعداد الأستاذ زارو عبد الله


يحمل لفظ التعلم دلالة الانتقال من حالة الجهل إلى حالة العلم والمعرفة، كما يدل على كل محاولة للخروج من الانطباع و الرأي و وجهات النظر الشخصية التي لم نخضعها للفحص و التمحيص إلى مجال المعرفة المبنية و هو ما يضعنا في لب إشكالية الحقيقة. من أهم مجالات اشتغال الفلسفة السعي نحو إقامة فوارق و قطائع بين المعرفة و الخطأ، و هي عملية ليست باليسيرة كما يشهد على ذلك المجهود الفكري و المنهجي الذي عمل عليه الفلاسفة من أجل التحرر من عالم الجهل و الخطأ منذ أفلاطون من خلال تجربة سقراط.

لكن المتأمل في القولة تكشف لنا في أول وهلة أنها تعكس لنا المعادلة و تقلبها، فهي لا تدعونا إلى التفكير في الخطأ تفكيرا إقصائيا و سلبيا باعتبار أن الخطأ هو نقيض المعرفة الحقة و لا أحد يرغب في اعتماد الخطأ بل الكل يعلن عن رغبة في التحرر منه و تصحيحه. ليس لنا من طريق سوى أن نسلك طريق الخروج من التضاد بين الخطأ و الحقيقة بالتخلي في المعالجة عن طرح المحتوى و المضامين المعرفية لكي نساءل مناهج و طرق التفكير و إنتاج المعرفة، كما أننا لن نعتمد النتائج لأنها بدورها لن نتعلم منها شيئا.
إن أول ما نتعلمه من أخطائنا هو ضرورة تصحيحها و إصلاح ما نحمله من معرفة خاطئة، وهي نفسها الخلاصة التي انتهى إليها ديكارت و وجهت تأملاته الفلسفية و المنهجية. لقد أدرك ديكارت أننا أخطأنا و اعتبرنا لزمن طويل ما كان خاطئا معرفة حقة. عند تعلمنا لهذا الواقع يمكن أن نوجه سهام النقد لأسس المعرفة التي اعتقدنا أنه يمكن الاعتماد عليها في بناء معارفنا. سواء كانت هذه الأسس تعود إلى تلقيناه من أبائنا ومعلمينا و صدقناهم منذ طفولتنا ، لما لم نكن نمتلك الأدوات الفكرية والنقدية لمراجعتها ونقدها. أو باقتصارنا على ما تمدنا به الحواس التي ثبت خداعها لنا في غير ما مرة. كما في حالة السراب الذي حسبناه بركة ماء ، أو حين نخرج عمودا كان يبدو منكسرا في الماء لنكتشف أنه مستقيمي و غيرها من الأمثلة.
فما نتعلمه من هذه التجارب و الأخطاء هو عدم الثقة في ما تمدنا به الحواس و ما تلقيناه من أبائنا و معلمينا و صدقناهم فيه، أي عدم تصديق ما كنا نعتبره مصادرا للمعرفة الإنسانية، لكن ألا يوقدنا الأمر إلى أن نتعلم من الأخطاء نوعا من السلبية اتجاه إمكانية المعرفة.
تكشف الأخطاء التي نقع فيها عن محدوديتنا، وعن مخاطر الاعتماد على الذات المنعزلة في وحدانيتها لبناء المعرفة الحقة. لقد أشار دفيد هيوم إلى أهمية مصادقة الآخرين و موافقتهم لتقوي ثقتنا في أحكامنا المعرفية و يتقوي لدينا اليقين بأننا على حق، فالأخطاء التي وقعنا فيها علمتنا أنه لا يمكننا الاعتماد على قوانا العقلية الذاتية و الاكتفاء بها. و بالرغم من الإضافة التي تحملها لنا أخطاؤنا الماضية فهي ذات تأثير محدود لأنها لا تمنعنا من إصدار الأحكام ، فنحن نعلم أننا نقع ضحية الخطأ ، لكن لا نتعلم منه لعدم عملنا به.
لهذا يمكن القول أن ما نتعلمه من أخطائنا هي محدوديتنا، وكذلك ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر اتجاه أحكامنا، لكن لم نتعلم بعد كيف يجب تجنب الوقوع في الخطأ مستقبلا.ألسنا أمام المهمة الأساسية. فحين نفقد الثقة في أنشطتنا المعرفية ألا نكون أمام مهمة إصلاح طرق بحثنا و إنتاج معرفتنا و إلا سقطنا في فخ النزعة الشكية المطلقة ونلتزم الصمت.
عندما نتعرف على أخطاءنا ، ومن خلالها عن أسباب وقوعنا في الخطأ ، نكون أمام المهمة الكبرى ، أي البحث عن وسيلة للتحرر من الأخطاء. و هذه الوسيلة يصعب القول أنها تقدم لنا، فقد كشف غاستون باشلار كيف يمكن لأخطائنا أن تطرح موضع تساؤل مستقبلنا الفكري و العلمي لأن الأخطاء لها قوة وتشكل عائقا أمام الكشف العلمي لأنها تقدم ذاتها كمعرفة حقة. لقد كشف غاستون باشلار أن العلاقة التي نقيمها مع أخطائنا ليس أمرا سهلا يمكن الكشف عنه و تصحيحه بسهولة بل هي عملية معقدة دفعته إلى اعتماد ما سماه تحليلا نفسيا للمعرفة. بمعنى أن هناك صعوبة مواجهة أخطائنا التي تبدو أنها تملك سندا في ما تمدنا به الحواس و في المعرفة المشتركة، فالمسالة تتعلق بعملية التحرر من سلطة المعرفة العادية نحو بناء معرفة علمية.
لهذا ينبغي أن نخضع معارفنا لامتحان التزييف و التكذيب، باعتبارها من منظور كارل بوبر هي خاصية الممارسة العلمية، فعوض القيام بمجهودات لتأكيد صدق القضايا ينبغي القيام بمجهود نحو تكذيبها ، لأن خاصية المعرفة العلمية مقارنة بباقي معارفنا الأخرى هو قابليتها للتزييف، بحيث نكون أمام نقلة في الفكر من هاجس البحث عن الحقيقة المطلقة الخالدة التي لا يمكن الشك فيها كما سعى إلى ذلك ديكارت إلى دينامية فكرية مغايرة حيث الحقائق تنتظر التصحيح و التعديل .
فما نتعلمه من أخطائنا ليست مضامين المعرفة و النتائج بل ما تسمح به لنا لتطوير البحث في مناهجنا المعرفية و ما تطرحه من أسئلة ابستيمولوجية.لتطوير المعرفة الإنسانية، فبفضل الكشف عن الأخطاء استطاع الإنسان أن يشيد المعرفة و يساءل ما ينتجه من معارف.
ألم نسلك نفس الطريقة التي اتبعها ديكارت في تأمله الرابع ، حين كشف عن آلية الوقوع في الخطأ ليبين أنها تتعلق بنا و أن عملية تجنب الوقوع في الخطأ تتعلق بنا كذلك. لكي يقدم لنا في الوهلة الثانية الطريقة التي تسمح لنا بالإفلات منها. فالأخطاء بالنسبة لديكارت تنتج عن الاختلاف بين طبيعة العقل و طبيعة الإرادة الإنسانية اللا محدودة، فالأخطاء لا تعود إلى فكرنا بل هي بالنسبة لديكارت معطى فطرى يتضمن الحقيقة بل تعود إلى الإرادة التي تستطيع إطلاق الأحكام قبل التوفر على المعطيات الواضحة والمتميزة التي يمدنا بها الفكر . فنحن نتعلم كيف يمكن تجنب الوقوع في الأخطاء بالمطالبة بالتوفر على معطيات واضحة و متميزة. لهذا فالخطأ هو نتاج دينامكية ترتبط بلا محدودية الإرادة الإنسانية في المعرفة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire